القضية

                            محمد طه

"لقد وكلتني المحكمة لأدافع عنك...لن يفيدك الصمت ابدا"

تابعت حديثي بهدوء بينما انظر لهذا الشاب

لم يتجاوز سن الواحد والعشرين

ابيض الوجه هاديء الملامح

يجلس كأنما لم يقتل والديه واخوته الثلاثة

"اذا اصررت علي الصمت لن يفيدك احد

ولن ترسل اليك المحكمة محامي اخر

يمكنك ان تمدني بمعلومات لاخفف عنك الحكم

ويمكنني ايضا أن...."

"لم أقتل احد"

قالها بهدوء وهو ينظر في عيني

قالها كأنها البساطة بعينها

"حسنا لم لا نبدأ من البداية،احكي لي كيف اكتشفت الامر"

"لم أكتشفه يا سيدي بل لقد علمت وقت حدوثه"

هذا الشاب غريب كيف علم ولم يمنع حدوثه

تفيد الادلة انه كان موجود وقت الحادث

ويفيد الشهود انهم راوه وهو مغطي بالدم تماما

كان يجلس امام جثث ابواه واخوته ينظر اليهم بهيستريا

يقول التحليل الجنائي انه مزق عائلته بوحشية

فعلها كأنه ذئب يلهو

وفي جلسة المحكمة

كان يصرخ ويقول

لقد قتلهم هو....لقد قتلهم هو....لم اقتلهم انا

لم يتقدم الكثير من المحامين ليدافعوا عنه فهذه قضية محسومة

اعدام

من تقدموا اليه نصحوه نصيحة صغيرة قبل ان يتركوه

لا تفتعل الجنون فانه لن يفيدك

لذلك تقدمت انا

هذه قضيتي

وسوف اعمل جاهدا لكي اثبت برائته

هناك ثغرة بسيطة يمكنني ان استغلها

انها

اداة الجريمة

لم يجدوا ابدا اداة الجريمة

يمكنني ان استغل هذا الموقف لكي اســـ...

"انه الان يقف ورائك"

نطقها ببساطة شديدة 

"من هذا الذي يقف ورائي الان"

"الذي قتلهم"

"لا يوجد شيء ورائي يا فتي لا تدعي الجنون من الان"

"لا أدعي الجنون انه الان ورائك ،انت ايضا لا تستطيع رؤيته...كالسابقين تماما"

تراجعت خطوة وقلت

"حسنا هل يمكنك ان تصف لي ما شكله"

هنا رأيت الفزع علي وجهه

"انه قبيح للغاية ولم اري شيئا مثله قط

انه يبدو مثلنا في التكوين لكنه مختلف

جلده احمر ناري

اصلع الرأس ينبت بهما قرنان

اسنانه ضخمة وحشية

ولا يقف علي قدمين

بل انهما كأقدام ثور هائج

انفه يخرج منها الدخان طوال الوقت"

هنا بدأ في البكاء بجنون

"ارجوك لا اريد ان اموت

لقد رايته يمزق عائلتي امام عيني

ارجوك....افعل شيئا"

"حسنا يافتي......اهدأ....هل تعتقد ان القاضي في المحكمة سوف يصدقك"

"لا اعلم ولكني سوف احكي عن كل شيء

عن الباب الذي وجدته مورابا

وعن النجمة السداسية التي رسمت امام الباب

وعن القلم ذو الماركة الشهيرة الذي وجدته في المنزل

لا اعلم ان كنت سانجو ام لا

ولا اعلم ان كان هذا سيفيد ام لا

ولكنني لن اترك نفسي ابدا"

وبدأ يبكي مرة اخري بهيستريا حقيقية

لم أعد احتمل

"حسنا يا ولدي

سوف اتركك الان لتهدأ

وسوف أمر عليك غدا باكرا لنكمل ما بدأناه"

وقفت لكي أتهيأ للانصراف

نظر لي نظره يائسة

نظرت اليه علي غرار لا تقلق

دققت الباب ليفتح لي السجان

ثم غادرت

تحسست جيبي

لقد نسيت

نسيت ان أخذ قلمي ذو الماركة الشهيرة

من قلب موقع الجريمة

في هذه الايام قلما تجد قضية هامة

لذلك قررت ان اصنع قضيتي

قضية واحدة

فقط واحدة

احلها ويلمع اسمي في الصحف والمجلات

لم يكن صعبا البحث عن العائلة المناسبة

ولم يكن سهلا ان استخدم السحر

ولكني فعلتها

ولكن لم اتوقع ان يكون الفتي ممن يمتلكون تلك البصيرة

لقد راه

وايضا يمتلك قلمي

سوف يلوث هذا سمعتي حقا

ولربما يزجني في السجن

تلفتت ورائي لأكلمه

"اريدك ان تقتله

هذه المرة قتل نظيف

لا اريد اي وحشية

ولا اريد ان يراك احدا هذه المرة

افهمت"

كشر لي عن انيابه باتسامه وحشية

وانطلق ينفذ

مهمته